ولسطورِ الأوراق معيَ سرّ ولذّة مستمرَّة بأن أجتاحها ، و أهزمها قصّاً و شعراً و نثراً !
أقولُ هذا الآن ، حيث أصبحت الأوراق مثواي و نافذتي التي أرى بها . قبلها كنتُ ألقي بأيِّ ورقة تصادفني ، أو أعبِّئها خطوطاً و دوائر و أشكال مُبهمة مبعثرة هنا أو هناك فتفد الورقة ملامحها وسْط هذا العبث . أحصرها في تفريغ مقالٍ أو آخر ، مراجعة نظرية أو حتَّى جغرافيّة منطقة ما حين ينذر الإمتحان بأوان موعده ! و أنساها بعد ذلك ، أهملها و أكدِّسها فوق بعضٍ حتَّى إشعارٍ آخر .
تذبلُ الأوراق حين أهجرها ، تصبح لها رائحة مُميَّزة و نفَّاذة ، رائحة التخلِّي و الإهمال و روائح أخرى من آثار أتربةٍ أو مطر تساقط على حبر الورق في أمسيةٍ ما و أحاله بُقعاً زرقاء خالصة كسماءٍ أو كبحر .
ها أنا ابدأ من جديد !
أضمُّ الصَّفحات لقلبي ، أشتمُّ رائحتها و أحلمُ بها ، و في اليقظة أقترب منها و ألامسها ! وبشئ أقرب للتقديس أبدأ أخطُّ كلماتٍ توازي سطورها تجعلها أكثر اتساقاً و اتزاناً ، تملأ فراغ روحها و تحكي لها عن الشئ و اللاشئ و ترهات أخرى !
(2)
– هل تذكرينَ مدرستنا ؟ هويَّتنا القديمة ، ملاذنا الدائم !
– كيف لا ! لا زالت تلك الصورة حاضرة أمامي ، و أنا أكتشف طبيعة الأشياء من حولي و أكتشف ذلك المبنى العتيق فإذا بي أكتشف نفسي !
– نعم ! لقد كنَّا صغاراً ! لا تزال آثار اللعب بالتُّراب مخفيَّة في ملابسنا و عالقة بذاكرتنا ، رائحته تضفي إلينا حنيناً و في ذات الوقت حِنقاً على هذه المدرسة الدخيلة علينا .
– وهل تراكِ تذكرين عداوتنا الطفوليّة تلك المؤامرات الهزلية و المشاعر البريئة و التي كانت في اعتقادنا غيْظاً حقيقياً ؟
– بل هي كل ما أذكر صديقتي ، هي و بعضُ قصصٍ من ركن أو آخر و شجيرات ٍو نافذة ! كم كنَّا متضادّات آنها لا تقرب إحدانا الأخرى . كنَّا طفلتان و بمنطقٍ أو بآخر توصَّلنا إلى أنَّ ما بيننا من هوةٍ و فجوة كبير و عظيم ، وتبدَّل ترتيب الأشياء !
– و لكنَّ القدر جمعَ بيننا بشكلٍ أو بآخر ! و كنَّا حين نلتقي نبتسم في وجه القدر ونقتل الصمت بكم سؤالٍ عابر و متوقَّع ! و تمضي كلُّ واحدة مِنَّا تضحك على ذلك العبث البرئ و خيالات الطفولة !
– و الآن بعد سنواتٍ و ابتسامات عابرة ، لا أكاد أذكر السَّبب الذي أضعنا به وقتاً كان من الممكن أن نقضيه سوياً ، أن نفرحه و نحزنه سوياً !
بتّ أكثر من صديقة لي .
– وها نحنُ نبدأ من جديد صديقتي و رفيقتي و قهوتي الصَّباحية.
– كم أحبُّ حين تنادينني ب ” قهوتي” ! وكم أحبُّ الصَّداقة و أقدّسها يوم بيوم أكثر بسببك .
– و ها نحن نبدأ من جديد !